العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة
العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة، لعل هذه الكلمات لم تعد غريبة على أسماعكم، فالجميع الآن بات يعرف القليل حول مواد البناء الصديقة للبيئة، وأصبحت القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي كافةً يتحدثون كثيرًا حول معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة، ويعرضون الكثير من النماذج لمباني صديقة للبيئة.
ولعلك تتساءل الآن لماذا وفي هذا الوقت تحديدًا تُركز القنوات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي على موضوع العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة؟، الإجابة ببساطة لأننا سنتجه لا محال إلى اتباع العمارة الخضراء، فالأرض ليست مستدامة، وبمرور السنين شئنا أم أبينا، سنبدأ في مرحلة نفاذ بعض الموارد والمصادر الطبيعية التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة.
في الواقع هذا الكلام يعد مُقلقًا للكثير من الناس، وهذا أمر طبيعي فالقلق والخوف علامة من علامات الذكاء؛ لأنه ينبهك بأن هناك خطرًا ما يقترب ولابد أن تتهيأ وتجد لنفسك مخرجاً، وهذا هو سبب حديثنا اليوم حول العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة.
ما هي العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة؟ وما هي معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة؟ وما هي فوائد المباني الخضراء؟ وفي الأخير أمثلة على المباني الخضراء
لمعرفة المزيد حول تطور العمارة عبر الزمن شاهد الفيديو التالي:
ما هي العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة
قد يعتقد البعض أن العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة هي المباني التي لا تمتلك تأثيراً سلبياً أو سيئًا على البيئة، لكن الأمر أعمق من هذا بكثير، فالعمارة الخضراء هي مشروع بناء يسمح لك بالحفاظ على معظم المصادر الطبيعية والبيئية حول موقع المشروع.
فتستطيع إنشاء مبنى قادراً على أن يلبي كافة احتياجاتك ورغباتك، حيث سيعمل بناء وتشغيل المشروع على تعزيز بيئة صحية للجميع، ولن يمس لا الأرض ولا المياه ولا أي مورد داخل المبنى أو حتى خارجه، هذا هو التعريف الصحيح للعمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة.
ومن المهم أن نعرف وجهة نظر أخرى في تعريف العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة، من وجهة نظر وكالة حماية البيئة الأمريكية حيث تقول:
“المباني الخضراء هي ممارسة إنشاء الهياكل واستخدام العمليات المسؤولة بيئيًا وذات الكفاءة في استخدام الموارد طوال دورة حياة المبنى من تحديد الموقع إلى التصميم والبناء والتشغيل والصيانة والتجديد والتفكيك.
وتتوسع هذه الممارسة وتكمل اهتمامات تصميم المباني الكلاسيكية المتعلقة بالاقتصاد والمرافق والمتانة والراحة. يُعرف المبنى الأخضر أيضًا بأنه مبنى مستدام أو عالي الأداء”.
ما هي معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة؟
هناك معايير يمكن من خلال تطبيقها الوصول إلى العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة، هذه المبادئ والمعايير تتمحور حول النقاط الآتية:
1-استخدام الطاقات الطبيعية:
لعمارة خضراء وأبنية صديقة للبيئة لابد من الاستفادة القصوى من الطاقة، ففي فصل الشتاء يجب استغلال الشعاع الشمسي أثناء تصميم المبنى وتقليل الحرارة من داخل المبنى.
وفي فصل الصيف يحتاج المبنى للتبريد فيجب العمل على تجنب الإشعاع الشمسي، وتقليل الاكتساب الحراري والعمل على فقد الحرارة من داخل المبنى وتبريد الفراغات الداخلية بالوسائل المعمارية.
هنا يستلزم الاعتماد على الطاقة الكهربائية في المكيفات الهوائية، ومن الممكن الاعتماد على الطاقة الطبيعية في توليد طاقة كهربائية من خلال الرياح والشمس والأمطار.
2- مواد البناء الصديقة للبيئة:
من معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة استخدام مواد بناء خضراء، ولعلك تلاحظ أن مباني الحضارات القديمة كانت عناصر بنائها الأساسية من الأحجار والطين والخشب، ولكي تكون خامات البناء صديقة للبيئة لابد من توافر فيها شرطين أساسيين وهما:
- ألا تستهلك طاقة كبيرة سواء في مرحلة التصنيع أو التركيب أو حتى الصيانة.
- ألا تساعد أو تساهم في زيادة التلوث الداخلي بالمبنى، أي أن تكون من مجموعة مواد البناء والتي يطلق عليها مواد البناء الصحيحة، وهي غالباً ما تكون مواد البناء الطبيعية.
طرق الحفاظ على الماء داخل المباني:
حتى نصل إلى العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة لابد أن نرسخ في أذهاننا أن الماء داخل المباني ليس المقصود به، الماء الذي نستعمله في الشرب والطهي والاستحمام فقط، بل يشمل الأمر الماء المستخدم في عملية تجميل المنزل وحمامات السباحة وري الحدائق وغيرهم.
فهذا الماء لابد أن يُعاد استخدامه مرة أخرى وهذه العملية تسمى بالمياه الرمادية، وهي الناتجة عن استعمال الحمامات والمطابخ ولها أثر كبير في خفض استهلاك الماء فيما يخص العمارة الخضراء والمباني الصديقة البيئة.
يتم تجميع هذه المياه بخزان أرضي ويتم معالجتها وتنقيتها إلى حدٍ كبير باستخدام الرمل والزلط والمرشحات البيولوجية، ثم يُعاد استعمالها لري الحدائق أو تستعمل مرة أخرى في صناديق الطرد.
3- الهواء داخل المباني:
من معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة هو الاهتمام بخامات البناء المستخدمة داخل المباني، والتي إن كانت بها كيماويات ضارة؛ فبالتأكيد تؤثر بشكل كبير في الهواء وتجعله غير صحي.
كما يقل معدل تغيير الهواء بها لدرجة تصل إلى مرة واحدة كل خمسة أو ستة ساعات؛ مما يساعد على زيادة تركيز الملوثات داخل هذه النوعية من المباني؛ لذلك لابد أن تكون فتحات التهوية للمبنى مقابلة لاتجاه الرياح السائد بكل منطقة، مع الحرص على تواجد أكثر من فتحة بكل غرفة لخلق تيار هوائي مناسب بها.
4- الإضاءة والمبنى:
الشمس هي المصدر الأساسي للضوء الطبيعي، ويؤكد عددًا من العلماء على أن عملية الرؤية البسيطة هذه تستهلك ربع الطاقة الكلية اللازمة للجسم في حالة الإضاءة الصحية، وأي نقص في هذه الإضاءة يعني استنزاف كبير لطاقة الإنسان حتى يستطيع أن يعوض هذا النقص.
ولتوفير الطاقة الطبيعية داخل العمارة الخضراء والمباني الصديقة البيئة، فيوجد طريقتان أساسيتان:
5- الاستفادة القصوى من الإضاءة الطبيعية القادمة من الشمس.
ولكي يحدث ذلك لابد من مراعاة الآتي:
- أن يكون بكل غرفة نافذتان موزعتان على حائطين لرؤية أوضح.
- توزيع النوافذ بعناية؛ وذلك للحصول على أكبر قدر ممكن من الضوء.
- تخصيص بعض الفراغات المكشوفة كالأفنية؛ للسماح بنفاذ بعض الأشعة البنفسجية مع مراعاة عامل الخصوصية.
- أن يراعى في تخطيط الموقع ارتفاعات المباني وبعد المبنى عن الآخر؛ حتى لا يحجب مبنى ضوء الشمس عن مبنى آخر قريب منه.
- توفير بديل مساعد نحو الإضاءة الصناعية، وتكون بسبب الإضاءة الطبيعية غير كافية، والاستفادة منها عند غروب الشمس وحلول الظلام، ولابد أن يراعى اختيار الضوء الصناعي القريب من الضوء الطبيعي، واختيار الأنواع الموفرة في استهلاك الطاقة الكهربائية.
6- استعمال الألوان:
للألوان تأثيرات كبيرة سواء كانت سيكولوجية أوفسيولوجية على الإنسان، بجانب أن اختيارك لألوان الواجهة له تأثيرات بيئية ومناخية في البيئة، فاللون الأبيض له القدرة على عكس الإشعاع الشمسي، وهناك بعض الواجهات يكون استقبالها للإشعاع الشمسي أشد تأثيرًا في بعض فصول السنة، فمثلاً الواجهة الجنوبية استقبالها لأشعة الشمس في فصل الشتاء يكون أكبر من الصيف.
وهذا الأمر مهم أن نعرفه ومطلوب؛ حتى نتمكن من الحصول على أكبر استفادة من أشعة الشمس في فصل الشتاء، كما أن الألوان تدخل في التأثير السيكولوجي حال نظرك لبعض المسطحات والأحجام، فهذه المعلومات من شأنها أن تقدم لك يد العون حال تصميمك لـ العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة.
7- الطابع المعماري:
من معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة هي أن يتوافق الطابع المعماري الخاص بها مع البيئة، سواء كانت من الناحية البيئية أو الاجتماعية، فالطابع المعماري ببساطة يعكس صورة الحضارة الإنسانية في كل الأزمنة والعصور ويوضح شخصية المجتمع واتزان الفرد فيه من الناحية الصحية والنفسية.
ما هي فوائد المباني الخضراء؟
تحدثنا عن تعريف العمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة، وتطرقنا إلى معرفة أبرز معايير تصميم المباني الصديقة للبيئة، لكن ما زال هناك سؤالاً وهو ما هي فوائد المباني الخضراء؟ وما الذي سنجنيه حال اتخاذنا قرارًا ببناء وتصميم المباني الخضراء؟
المباني الخضراء تهدف في مقامها الأول إلى مستوى مرتفع جدًا وذلك من حيث الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمبنى وما يحيط به.
فتأتي فوائد المنازل الخضراء في ترسيخ وتثبيت المواد القابلة للتجدد والاعتماد عليها، والاستعانة بالمواد القابلة لإعادة التدوير، فتعتمد المنازل الخضراء على الطاقات المتجددة نحو الطاقة الحرارية الأرضية والشمسية، والخشب، والحفاظ على الموارد وكفاءة الطاقة والاستخدام الأمثل لأساليب العزل المناسبة.
ومن حيث الفوائد المالية والاقتصادية، فالعمارة الخضراء والمباني الصديقة للبيئة توفر في الطاقة من 25% إلى 35%، كما توفر في المياه كذلك بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالمباني القديمة وأساليب البناء التقليدية.
ومن الناحية الاجتماعية فالمباني الخضراء تساهم في تحسين الحياة من خلال تعزيز صحة ورفاهية الأفراد وراحتهم النفسية وذلك باستخدامهم تقنيات وخامات صديقة للبيئة وطبيعية.
مثال على المباني الخضراء
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية:
تعد جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية، واحدة من أكبر المشاريع في العالم من حيث المساحة المبنية المحافظة على البيئة، حيث تبلغ مساحة المشروع كاملاً 5.5 مليون قدم مربع وعلى امتداد 27 مبنى.
لكن لماذا حصلت هذه الجامعة على التصنيف؟
- توظيفها للكثير من تقنيات الطاقة النظيفة وإعادة تدوير المياه.
- امتلاك الجامعة ألواح كهروضوئية بمساحة تتخطى الـ 16 ألف قدم مربع، تنتج طاقة كهربائية نظيفة قدرتها 4 ميجا وات.
- استخدامها للإضاءة الطبيعية النهارية لإضاءة 75% من المساحة الكلية للجامعة، مع توافر مستشعرات ضوئية تقوم بإيقاف المصابيح حال توافر إضاءة طبيعية مناسبة.
أهداف العمارة الخضراء والمباني صديقة البيئة
في الأخير، تعد الأهداف الرئيسية من العمارة الخضراء هي المساهمة في جعل الأرض أكثر استدامة والمساعدة في الحفاظ على كافة مصادر البيئة عندما تبدأ في تنفيذ مشروعك، وعدم الاستخدام الشره لمصادر البيئة الطبيعية.
هذا هو الهدف الذي بات الآن من الضروري أن نتوجه إليه وأن نعمل معًا لتحقيقه، فإحداث تأثير على الحياة البرية والبيئية يشبه إلى حد كبير تأثير الفراشة، فأصغر التغييرات ستساعد في جعل هذا الكوكب أفضل، وبالتالي مكان أفضل للعيش فيه والاستمتاع به.