هناك الكثير من الجدل حول مسألة كيفيَّة إيصال التعليم لطلاب العِمارة المُحتمَلين الذين يلتحقون بمؤسسات التعليم العالي؛ على أملِ ممارسة ما يتعلَّمونه من الفصل على أرض الواقع. ومع التقدُّم في التكنولوجيا واستخدام الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والروبوتات وغيرها من التِّقنيات – أصبح أمرًا لا بدَّ من اللجوء إليه.
تستقرئ الأبحاث أن الذكاء الاصطناعي وحدَه ستبلغ حِصَّته السُّوقيَّة بحلول عام ٢٠٢٥ “١٥٠ تريليون دولار”، سيزيل الذكاء الصناعي ١.٨ مليون وظيفة تقليديَّة قديمة من سوق العمل، وستُخلَق ٢.٣ مليون وظيفة جديدة، كما أن الذكاء الصناعي سيُعزِّز أرباح الشركات المستفيدة منه بنسبة ٣٨٪.
تكنولوجيا العمارة والتصميم الداخلي
يُثير التقدُّم في التكنولوجيا مسألةَ ما إذا كان منهجُ العِمارة الذي يُدرَّس في الكليات والجامعات يُواكِب التغيُّرات في التكنولوجيا لتزويد الطلاب بالمهارات ذات الصلة بالممارسة بالمستقبل أم لا؟
لم يتم الاعتراف بأهمية التعلُّم المتمركِز على الاستوديو في الممارسة الحاليَّة التي تسير بخُطًى تكنولوجية في مجال العمارة بعدُ؛ فدَمجُ الممارسة المِهَنيَّة وما يُدرَّس في موادِّ الاستوديو في مؤسسات التعليم العالي، سيكون له الأثرُ في إعداد الطلَّاب للجوانب الفنيَّة الهندسية والمِعمارية، كما سيُساعد دمج تعلُّم الاستوديو واستخدام برامج وتِقْنيات هندسيَّة ومِعماريَّة حديثة في إعداد الطلاب للمستقبل غير المعروف للمِهنة بعد.
لا يمكن معالجة التطوُّرات التكنولوجيَّة غير المعروفة في مجال الهندسة والعمارة إلا إذا حرِصت الجامعات والكليات على زيادة الفضول بها لدى طلَّاب الهندسة والعِمارة.
كانت هناك حالات تمَّ فيها رفض نموذج التعليم الحالي؛ نتيجةَ خلط مفهوم تعليم الفنون، والجوانب الهندسية الأخرى بالتدريب المهني المناسب، حيث إن معظم التعليم ينصبُّ ويركز على الجوانب المتعلِّقة بالفنون، وتجاهل كثيرًا من الجوانب العلميَّة والهندسيَّة المهمة الأخرى؛ فبعض المؤسسات التعليميَّة لا تواكِبُ نُظُمُ التعليم لديها التقدُّمَ التُّكنولوجي
وبعضُ الجامعات تمتلكُ مجموعةً واسعة من أدوات التصنيع المُسبِق المتطورة، التي لم يَتسنَّ للمؤسسات والشركات الخارجية استثمارُها في هذه التكنولوجيا الحاليَّة! والنتيجةُ هي وجود تباين كبير في المؤهلات التعليميَّة بين متعلِّمي الهندسة والعِمارة من جامعات مختلفة.
إنَّ الطلاب الذين يحصلون على فرصة لتعلُّم المهارات العمليَّة من خلال التعلُّم القائم على الاستوديو – يَمزجون بسهولة بين ممارسات الهندسة والعمارة.
خلطُ موادِّ الاستوديو مع كامل العمليَّة التعليميَّة، وإدراج التِّقنية ومفاهيمها، سيُقوِّي المُخرَجات التعليميَّة، وسيُتيح لهم أن يكونوا مُلهمِين ليس فقط لحل المشاكل بين يديَيِ المشروع، بل إلى أبعدَ من ذلك بكثير؛ لما تُقدِّمه التِّقنية من تصوُّرات مستقبليَّة مهمة تساعد في اتِّخاذ القرارات بشكل أفضل على المدى البعيد؛ ممَّا يقودهم ليصبحوا موظَّفين وأصحابَ عمل محتمَلِين بشكل أفضل في المستقبل.
إن تجاهلَ أهميَّة دمج أحدث التِّقنيات مع موادِّ الأستوديو، ستقود المُخرَجات أن تُركِّز فقط على النظريَّات؛ مما قد يُساهم في تقليل مكانة المهنة، وتخفيض أجورِها، والتَّقليلِ من تأثيرِها الإيجابيِّ في المجتمع على المدى البعيد.
إن طرق تعليم وتدريس العِمارة تحتاج إلى تحريك عدسة التركيز من تعليم النظريات فقط إلى تقديم فرص لممارسة العمارة كما هي في أرض الواقع أثناء مرحلة الدراسة، فمع تطور التقنية وخصوصًا التِّقنية الغامرة (immersive technologies)، أصبح من السهل وبشكل آمن أن تَضع الطالب في حالات مُستلهمَة من الواقع؛ ليتعلَّم الطالب من خلالها الفرص المتعدِّدة في التعامل مع المشكلاتِ المُحتمَل حدوثها أثناء ممارسة المهنة .. فأيُّهم أفضلُ:
أن ينظر الطالب للاحتمالات، ويتعلَّم كيف يتعامل معها في فترة التدريب والدراسة، أم في فترة التنفيذ والممارسة؟
بالتأكيد تعرُّضهم لهذه التِّجارب في مرحلة الدراسة سيكون لها الأثر الإيجابي على الطالب وعلى المهنة نفسها ككل؛ فسيصبح الطالب أكثرَ قابليَّة للتسويق في قطاع توظيف العمارة، وستشهد صناعة ومهنة العمارة والهندسة مجموعة من المهندسين والمِعماريين المَهَرة ذوي التفكير المستقبليِّ والفُضوليِّ، الذين من المحتمل أن يقوموا بتنفيذ مشاريعَ محدَّدة في الوقت المناسب وبجودة عالية، مع تطبيق الإمكانيات الماليَّة لمرحلة التصميم والتنفيذ وما بعدها من تشغيل وصيانة … ويبقى هذا النوع من المُخرَجات طموحًا وحُلمًا لكل مؤسسة تعليميَّة.