الحديث عن العمارة دون إشراك جوانب التكلفة يكاد يكون مستحيلًا؛ فغالبًا ما يؤدِّي الفشل في توضيح إدارة التكلفة إلى مشكلة لا يمكن السيطرة عليها في عملية التصميم، التي يكون لها تأثير كبير على مرحلة البناء الفعلية.
على مر السنين، تم ترك إدارة التكاليف في مشاريع العمارة لمديري المشاريع الذين لديهم خلفية مالية، ولكن لابدَّ أيضًا أن يكون لديهم معرفة قليلة جدًّا في العمارة. الاهتمام المتزايد بميزانيات المشاريع المعمارية يؤكد على أهمية أداء تكلفة المشاريع.
ظاهرة استخدام مديري مشاريع بخلفية بالعمارة أقل وأكثر في الجوانب المالية – تعني أن أداء تكلفة المشروع يتحسَّن على حساب المظهر والوظيفية المعمارية للمشروع، وهذا شيء يقلِّل من أهمية عمل التصميم النهائي للمِعماريين، ويُساعد في خلق صورة ذهنية سلبية عن قلة أهمية العمل المعماري لدى المجتمع، فممَّا لا يترك مجال للشك أن المعماري هو الشخص الوحيد الذي لديه المعرفة التقنية لأداء العمل؛ لذلك – وغني عن القول – أن إدارة التكاليف يجب أن تتم من قِبَل المعماري؛ إذ إن السِّمات الجماليَّة والوظيفية للمشروع هي ما تشكِّل المشروع وتجعله ذا معنى.
مع الأسف إن أصل هذه المشكلة الجِذري ناجم عن نقص ما تقدِّمه وتعلِّمه المؤسسة التعليميَّة لأبنائها الطلبة في هذا المجال، وإن كان هناك محاولات لبعض المؤسسات التعليمية في دَمج إدارة التكاليف في الوَحدات التعليمية المعمارية، فإنها ليست سوى جزء بسيط من الدورة التعلُّمية بأكملها، حيث يتم تخصيص جُلِّ الاهتمام لتدريس بعض الجوانب المِعماريَّة النظرية والتِّقَنيَّة، وربع المحتوى التعليمي في مواد احتياجات الجامعة والكلية تجدها بعيدة عن التخصص! رغم أن إدارة التكاليف تُعَدُّ من إحدى أهم جوانب التعليم المعماريَّة، ولكن يكاد أن يكون وجودها معدومًا في الدورة التعليميَّة المِعمارية.
تدريب المعماري ليصبح مدير تكاليف ناجحًا في خطِّ عمله أسهل كثيرً من محاولة إقناع مستشار مالي بأن يكون معماريًّا ناجحًا! مع العلم أن المعماري هو العمود الفِقَري للمشاريع المعمارية.
إن المعرفة التي يمتلكها المعماريُّ في تخصصه ومقدار فهمه لطبيعة المشاريع والتصاميم، إنما هي معرفة لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها، بينما يرى مدير المشروع المالي أرقامًا فقط، يرى المعماري على النقيض كامل العوامل الأربعة ومتغيرات المشروع من وظيفة ومفهوم وجودة مُخرَجات نهائية، واحتياجات الصيانة والتشغيل الخاصة بالمشروع وغيرها من العوامل الأساسية لإنجاح المشروع المعماري بشكل متكامل.
تكلفة أي مشروع تصميمي تعتمد على الأربعة عوامل المذكورة سابقًا؛ فتحتاج إدارة التكاليف إلى أن تُدمج مع جميع مراحل التصميم، والنتيجة هي أن التكلفة سوف يتم أخذُها في الاعتبار عند تغيير أحد الحلول من حل إلى آخر خلال مرحلة التصميم. وكذلك إدراج حساب عملية إدارة التكلفة في تعليم طلاب العمارة سيجعل لديهم رؤية ٣٦٠ درجة لجميع الجوانب المهمة لإنجاح أي مشروع معماري؛ عندئذٍ ستنتج المؤسسات التعليمية معماريِّين يجيدون إدارة التكلفة؛ مما يُحسِّن عملية التصميم الشاملة، مما يؤدِّي إلى تحسين جودة التصميم؛ وهذا يقود إلى عملية بناء سَلِسَة وتحسين الصورة النَّمطيَّة السلبيَّة عن العمل المعماري لدى المجتمع.
إلى جانب ضمان وظائف المشروع، فإن المعماريَّ هو أفضل شخص لديه المعرفة التِّقنيَّة لموازنة الاحتياجات الجمالية والوظيفية لأي مشروع وتطابقها مع توقُّعات التكلفة وإمكانيات العميل الماليَّة.